تميز عام 2012 بسرقة الربيع العربي ،الذي زرعت بدايته أملا كبيرا لدى الملايين من أبناء الأمة العربية . فبعد ثورتا تونس ومصر ، بدأ التخطيط المكثف في إحتواء الثورتين ، والعمل على إجهاض المبادئ التي قامتا من أجلها .
وقد شارك في عملية التخطيط والإجهاض هذه عناصر خارجية وداخلية . وتضمنت العناصر الخارجية دولا لها مصالح سياسية واقتصادية واستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط. أهمها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وإسرائيل ، إضافة إلى أنظمة عربية رأت في انتصار الثورتين تهديدا لها ، وهي تعرف أنها تحكم شعوبها بأنظمة دكتاتورية لا تقل شراسة وفسادا عن الدكتاتوريات التي أطاحت بهما الثورتين المذكورتين ، وتعرف أن شعوبها ترى الأمور بمنظار قومي عربي يتناقض مع موقف الأنظمة ، وموقف الدول التي تخطط لعملية الإجهاض .
أما القوى الداخلية ، فقد كانت منظمات وأحزاب مناهضة سياسيا للقومية العربية التي طالب بها الثائرون ، والذين عرفوا أن الخطاب القومي العربي هو في الواقع الحصانة ضدّ المحاولات الهدامة . وقد ظهر هذا العداء بوضوح في المواقف التي أطلقتها منظمة الإخوان المسلمين خصوصا في مصرعندما هاجم الرئيس المصري محمد مرسي فترة الستينات التي خسر فيها الإخوان الحرب ضدّ الرئيس جمال عبد الناصر بعد أن فشلوا في اغتياله ، وكشفت مخططاتهم أمام الشعب المصري .
ولا تزال حملتهم ضدّ الزعيم عبد الناصر مستمرة فقد أتيح لي رؤية ما بثه تلفزيون "دريم – 2 "( 31/12/2012 ) عن تصريح مستشار رئيس الجمهورية ، ونائب رئيس حزب " الحرية والعدالة " ، والقيادي في حركة الأخوان المسلمين ، عصام العريان ، حول فتح المجال أمام اليهود الذين خرجوا من مصر للعودة إليها ، وهذا موضوع يحتاج إلى رد واف ليس مجاله الآن ، ولكن المهم هو قول العريان أن جمال عبد الناصر هو الذي طردهم من مصر ، بمعنى أن الإخوان يريدون أن يصححوا " أخطاء عبد الناصر " .
ولكن هؤلاء الإخوان يعرفون جيدا أن أغلبية اليهود الذين خرجوا من الدول العربية فعلوا ذلك ( خصوصا من مصر والعراق ) بسبب قيام عملاء صهاينة بزرع المتفجرات في أماكن تجمعهم ، لإدخال الرعب إلى قلوبهم وحملهم على ترك وطنهم ، وهذا كله موثق الآن من جانب بعض الذين نفذوا هذه العمليات . وكعادتها ، سارعت إسرائيل بإستغلال تصريح العريان ، ليس بالسماح لليهود بالعودة إلى مصر ، بل طالبت بتعويضات عن أملاكهم التي قدرتها بـ 30 مليار دولار ، طالما هناك إعتراف رسمي بأن حكومة عبد الناصر هي التي طردتهم وأممت أملاكهم . ويعرف العريان أن التأميم شمل أملاك الإقطاعيين الأسلام والمسيحيين بهدف القيام بإصلاح إجتماعي ، وليس أغنياء اليهود فقط .
ولم تقتصر الحملة ضدّ التحرك القومي العربي على الكلام ، بل كانت هناك دولا غربية وأنظمة عربية تصب بلايين الدولارات من أجل ، ليس فقط إحتواء الإندفاع القومي ، بل من أجل إيصال القوى المعادية إلى سدة الحكم ومن ثم تقوم هذه المجموعات بتقديم الخدمات المطلوبة منها .
والمستفيد الأول من إختطاف الربيع العربي هي إسرائيل . فقد رأت في وصول حركة سياسية إسلامية شيء إيجابي بالنسبة لها . فهناك تصريح لوزير الحرب الإسرائيلي ، أيهود براك ، لصحيفة نيويورك تايمز ( 9/12/2012 ) قال فيه :" إنه يجدر بإسرائيل التسليم بصعود الإسلام السياسي ، فهو بمثابة عملة ذات وجهين ، مما يتيح ويسهل التعامل معه " .
ولكن المقال الذي نشره الدكتور موشه إلعاد المحاضر في الكلية الأكاديمية للجليل الغربي في صحيفة " هآرتص " ( 25/12/2012 ) وحمل عنوان :" هذا ربيع إسرائيلي "، يضع الكثير من النقاط على الحروف بالنسبة للربيع العربي . يرى إلعاد ، وهو أحد المقربين من النظام في إسرائيل ، أن الربيع العربي لا يشكل بالضرورة ظاهرة سلبية لإسرائيل ، كما ظهر في الأشهر الأولى من اليقظة الشعبية العربية . ويعتقد أن هناك إيجابيات كثيرة بالنسبة لإسرائيل ، خصوصا بأن اليقظة العربية شملت ستة دول من أصل أثنين وعشرين دولة . كما يعتقد وضع إسرائيل الجيوسياسي قد تحسن ، وأنه ليس المطلوب من إسرائيل التدخل من أجل تحسين وضعها لأن هذا الأمر يتم بواسطة غيرها .
ولعل المقطع التالي من هذا المقال يعطي صورة واضحة عن التفكير الإستراتيجي الإسرائيلي :
" إن ما يجري في سورية اليوم هو أفضل دليل على ما نقول ، وذلك كون سورية ، وهي عدوتنا منذ عقود ، تنزف دما وتتفكك وتفقد قوتها العسكرية ، يحدث هذا من دون أن تضطر إسرائيل إلى إطلاق رصاصة واحدة .
إن إنهيار " الجبهة الشرقية " المعادية لإسرائيل ، بدأ بسقوط العراق عام 2003 ووصل اليوم إلى سورية . صحيح أننا لا نعلم ما هو النظام الذي قد يحل مكان نظام بشّار الأسد والذي فقد شرعيته ، ولكن حتى لو كان النظام الجديد معاديا لنا ، فإن التهديد الإستراتيجي السوري المباشر سيزول لفترة طويلة . ومن أجل القضاء على الجبهة الشرقية كلها فإن المطلوب اليوم القيام بعملية أمريكية أو دولية ضدّ إيران " . يقول الكاتب .
وبالنسبة لمصر يقول إلعاد أن النظام القائم هناك الآن بقيادة محمد مرسي يدرك أهمية الديمقراطية ، ومثل هذا النظام سيحترم إتفاق السلام مع إسرائيل ، وسيفرض على حركة حماس المصالحة مع حركة فتح من منطلق لا يثير غضب إسرائيل .
إن الولايات المتحدة مسرورة من " الربيع العربي " بحلته الجديدة ، ولا ترى فيه نظاما يهدد مصالحها ولا مصالح إسرائيل العكس هو الصحيح . وسوف تستمر الأمور لفترة في هذا الاتجاه ، ولكنها لن تدوم لأن الثورة فتحت ساحة للنضال من أجل الحقوق ، و لأنها تتناقض مع واقع حياة الشعوب العربية ، وتطلعاتها إلى حياة حرة كريمة مع لقمة عيش شريفة وأبعاد قومية تحميها من نسيج المؤامرات وسرقة خيرات الأمة العربية عن طريق دول خارجية وعائلات حاكمة ،وحكام فاسدون .

الحل الذي يصون حرية الوطن من الإستعمار وحرية المواطن من انظمة القمع والفساد والإستبداد
هو الحل الذي يضمن استعادة الإنسان العربي لكرامته المفقودة.
وقد شارك في عملية التخطيط والإجهاض هذه عناصر خارجية وداخلية . وتضمنت العناصر الخارجية دولا لها مصالح سياسية واقتصادية واستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط. أهمها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية وإسرائيل ، إضافة إلى أنظمة عربية رأت في انتصار الثورتين تهديدا لها ، وهي تعرف أنها تحكم شعوبها بأنظمة دكتاتورية لا تقل شراسة وفسادا عن الدكتاتوريات التي أطاحت بهما الثورتين المذكورتين ، وتعرف أن شعوبها ترى الأمور بمنظار قومي عربي يتناقض مع موقف الأنظمة ، وموقف الدول التي تخطط لعملية الإجهاض .
أما القوى الداخلية ، فقد كانت منظمات وأحزاب مناهضة سياسيا للقومية العربية التي طالب بها الثائرون ، والذين عرفوا أن الخطاب القومي العربي هو في الواقع الحصانة ضدّ المحاولات الهدامة . وقد ظهر هذا العداء بوضوح في المواقف التي أطلقتها منظمة الإخوان المسلمين خصوصا في مصرعندما هاجم الرئيس المصري محمد مرسي فترة الستينات التي خسر فيها الإخوان الحرب ضدّ الرئيس جمال عبد الناصر بعد أن فشلوا في اغتياله ، وكشفت مخططاتهم أمام الشعب المصري .
ولا تزال حملتهم ضدّ الزعيم عبد الناصر مستمرة فقد أتيح لي رؤية ما بثه تلفزيون "دريم – 2 "( 31/12/2012 ) عن تصريح مستشار رئيس الجمهورية ، ونائب رئيس حزب " الحرية والعدالة " ، والقيادي في حركة الأخوان المسلمين ، عصام العريان ، حول فتح المجال أمام اليهود الذين خرجوا من مصر للعودة إليها ، وهذا موضوع يحتاج إلى رد واف ليس مجاله الآن ، ولكن المهم هو قول العريان أن جمال عبد الناصر هو الذي طردهم من مصر ، بمعنى أن الإخوان يريدون أن يصححوا " أخطاء عبد الناصر " .
ولكن هؤلاء الإخوان يعرفون جيدا أن أغلبية اليهود الذين خرجوا من الدول العربية فعلوا ذلك ( خصوصا من مصر والعراق ) بسبب قيام عملاء صهاينة بزرع المتفجرات في أماكن تجمعهم ، لإدخال الرعب إلى قلوبهم وحملهم على ترك وطنهم ، وهذا كله موثق الآن من جانب بعض الذين نفذوا هذه العمليات . وكعادتها ، سارعت إسرائيل بإستغلال تصريح العريان ، ليس بالسماح لليهود بالعودة إلى مصر ، بل طالبت بتعويضات عن أملاكهم التي قدرتها بـ 30 مليار دولار ، طالما هناك إعتراف رسمي بأن حكومة عبد الناصر هي التي طردتهم وأممت أملاكهم . ويعرف العريان أن التأميم شمل أملاك الإقطاعيين الأسلام والمسيحيين بهدف القيام بإصلاح إجتماعي ، وليس أغنياء اليهود فقط .
ولم تقتصر الحملة ضدّ التحرك القومي العربي على الكلام ، بل كانت هناك دولا غربية وأنظمة عربية تصب بلايين الدولارات من أجل ، ليس فقط إحتواء الإندفاع القومي ، بل من أجل إيصال القوى المعادية إلى سدة الحكم ومن ثم تقوم هذه المجموعات بتقديم الخدمات المطلوبة منها .
والمستفيد الأول من إختطاف الربيع العربي هي إسرائيل . فقد رأت في وصول حركة سياسية إسلامية شيء إيجابي بالنسبة لها . فهناك تصريح لوزير الحرب الإسرائيلي ، أيهود براك ، لصحيفة نيويورك تايمز ( 9/12/2012 ) قال فيه :" إنه يجدر بإسرائيل التسليم بصعود الإسلام السياسي ، فهو بمثابة عملة ذات وجهين ، مما يتيح ويسهل التعامل معه " .
ولكن المقال الذي نشره الدكتور موشه إلعاد المحاضر في الكلية الأكاديمية للجليل الغربي في صحيفة " هآرتص " ( 25/12/2012 ) وحمل عنوان :" هذا ربيع إسرائيلي "، يضع الكثير من النقاط على الحروف بالنسبة للربيع العربي . يرى إلعاد ، وهو أحد المقربين من النظام في إسرائيل ، أن الربيع العربي لا يشكل بالضرورة ظاهرة سلبية لإسرائيل ، كما ظهر في الأشهر الأولى من اليقظة الشعبية العربية . ويعتقد أن هناك إيجابيات كثيرة بالنسبة لإسرائيل ، خصوصا بأن اليقظة العربية شملت ستة دول من أصل أثنين وعشرين دولة . كما يعتقد وضع إسرائيل الجيوسياسي قد تحسن ، وأنه ليس المطلوب من إسرائيل التدخل من أجل تحسين وضعها لأن هذا الأمر يتم بواسطة غيرها .
ولعل المقطع التالي من هذا المقال يعطي صورة واضحة عن التفكير الإستراتيجي الإسرائيلي :
" إن ما يجري في سورية اليوم هو أفضل دليل على ما نقول ، وذلك كون سورية ، وهي عدوتنا منذ عقود ، تنزف دما وتتفكك وتفقد قوتها العسكرية ، يحدث هذا من دون أن تضطر إسرائيل إلى إطلاق رصاصة واحدة .
إن إنهيار " الجبهة الشرقية " المعادية لإسرائيل ، بدأ بسقوط العراق عام 2003 ووصل اليوم إلى سورية . صحيح أننا لا نعلم ما هو النظام الذي قد يحل مكان نظام بشّار الأسد والذي فقد شرعيته ، ولكن حتى لو كان النظام الجديد معاديا لنا ، فإن التهديد الإستراتيجي السوري المباشر سيزول لفترة طويلة . ومن أجل القضاء على الجبهة الشرقية كلها فإن المطلوب اليوم القيام بعملية أمريكية أو دولية ضدّ إيران " . يقول الكاتب .
وبالنسبة لمصر يقول إلعاد أن النظام القائم هناك الآن بقيادة محمد مرسي يدرك أهمية الديمقراطية ، ومثل هذا النظام سيحترم إتفاق السلام مع إسرائيل ، وسيفرض على حركة حماس المصالحة مع حركة فتح من منطلق لا يثير غضب إسرائيل .
إن الولايات المتحدة مسرورة من " الربيع العربي " بحلته الجديدة ، ولا ترى فيه نظاما يهدد مصالحها ولا مصالح إسرائيل العكس هو الصحيح . وسوف تستمر الأمور لفترة في هذا الاتجاه ، ولكنها لن تدوم لأن الثورة فتحت ساحة للنضال من أجل الحقوق ، و لأنها تتناقض مع واقع حياة الشعوب العربية ، وتطلعاتها إلى حياة حرة كريمة مع لقمة عيش شريفة وأبعاد قومية تحميها من نسيج المؤامرات وسرقة خيرات الأمة العربية عن طريق دول خارجية وعائلات حاكمة ،وحكام فاسدون .
اتفق مع الأخ العزيز د. فوزي الأسمر مع تحياتي له ونقولها بأعلى صوت ان الربيع العربي تمت سرقته في وضح النهار. ان النتائج التي ظهرت بعد قيام الإنتفاضات العربية ليست هي ما اراد الشعب الثائر ان يصل لها. اسملة المجتمع المسلم بغالبيته كما يدور الآن في تونس وليبيا ومصر لم تكن في حسبانهم. انها ليست اسملة بل اخونة لصالح فئة لا تفكر إلا بحساباتها الحزبية الضيقة.
ولكن كل ذلك ليس للندم لأن الإنتفاضات العربية كانت ضرورة حتمية فرضها الواقع المرير الدي تعيشه الأمة العربية في عصر مظلم تتحمل الأنظمة الفاسدة والمستبدة المسؤولية الكبرى عن هذا الواقع الذي لم يعد بالإمكان ان يستمر.
لقد فرض الواقع ظهور التيار الإسلامي الى الواجهة الذي سرعان ما انكشفت خبايا امره المريبة نتيجة صحوة الشعب الدي بدأ يتلمس طريقه بالتعبير عن اهدافه واساليب الوصول لها. بل نرى ان ظهور التيار الإسلامي الى الواجهة كان ضروريا كي تنكشف عوراته وهي كثيرة ومثيرة.
كل ذلك شريطة ان يواصل التيار الوطني حراكه المتعدد الأهداف. فهو من ناحية يستمر في نضاله ضد كل انظمة القمع والظلم والقتل والإستبداد والفساد ومن ناحية اخرى يقف في مواجهة قوى تريد ان تنهش من مكتسبات التغيير سواء كان استعمارية او اسلامية او رجعية.
ولكن كل ذلك ليس للندم لأن الإنتفاضات العربية كانت ضرورة حتمية فرضها الواقع المرير الدي تعيشه الأمة العربية في عصر مظلم تتحمل الأنظمة الفاسدة والمستبدة المسؤولية الكبرى عن هذا الواقع الذي لم يعد بالإمكان ان يستمر.
لقد فرض الواقع ظهور التيار الإسلامي الى الواجهة الذي سرعان ما انكشفت خبايا امره المريبة نتيجة صحوة الشعب الدي بدأ يتلمس طريقه بالتعبير عن اهدافه واساليب الوصول لها. بل نرى ان ظهور التيار الإسلامي الى الواجهة كان ضروريا كي تنكشف عوراته وهي كثيرة ومثيرة.
كل ذلك شريطة ان يواصل التيار الوطني حراكه المتعدد الأهداف. فهو من ناحية يستمر في نضاله ضد كل انظمة القمع والظلم والقتل والإستبداد والفساد ومن ناحية اخرى يقف في مواجهة قوى تريد ان تنهش من مكتسبات التغيير سواء كان استعمارية او اسلامية او رجعية.
__________________

الحل الذي يصون حرية الوطن من الإستعمار وحرية المواطن من انظمة القمع والفساد والإستبداد
هو الحل الذي يضمن استعادة الإنسان العربي لكرامته المفقودة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق